ذكريات رمضانية من التكية الكاشغرية في إسطنبول

كان السلطان العثماني سليم الثالث يقضي ليلة الجمعة في شهر رمضان في التكية الكاشغرية الموجودة بالقرب من منطقة أيوب في إسطنبول. وقد وصلت إلينا ذكريات مشوقة من التكية من زمن آخر شيخ لها "سيد عبد الحكيم الأرواسي".
24 Haziran 2017 Cumartesi
24.06.2017

 

كان السلطان العثماني سليم الثالث يقضي ليلة الجمعة في شهر رمضان في التكية الكاشغرية الموجودة بالقرب من منطقة أيوب في إسطنبول. وقد وصلت إلينا ذكريات مشوقة من التكية من زمن آخر شيخ لها "سيد عبد الحكيم الأرواسي".

 

الزاوية الكاشغرية هي تكية يعود تاريخها إلى القرن الثامن عشر وتقع أعلى منطقة أيوب سلطان التاريخية في إسطنبول. كان السلطان سليم الثالث يحب ويوقر شيخ التكية "عيسى أفندي". وكان يزوره مصطحباً معه سلطاني المستقبل شاهزاده مصطفى وشاهزاده محمود. وكان يقضي ليلة الجمعة طوال شهر رمضان في التكية. وقد شيد لنفسه هناك قصراً خاصاً به يطل على الخليج. وتم هدم ذلك القصر في عصر الحزب الواحد.

بالطبع لم تكن هذه هي الذكرى الرمضانية الوحيدة للتكية الكاشغرية. في مكان بعيد كان الشيخ عبد الحكيم الأرواسي المنحدر من عائلة تنتمي إلى آل البيت وهبت نفسها منذ قرون للعلم، منشغلاً في العلم والوعظ بمدرسة وتكية باش قلعة. وبسبب الاحتلال الروسي اضطر إلى هجر موطنه. وفي 1919 أتى إلى إسطنبول فعينه السلطان شيخاً للتكية الكاشغرية واستقر بها.

الفرض أولى

يقول السيد عبد الحكيم الأرواسي عن شهر رمضان الفضيل: "من أجل الاستعداد لصيام شهر رمضان، يجب ألا نصوم في النصف الأخير من شعبان. بل تجب تقوية البدن بتناول الأطعمة اللذيذة والمغذية والاستعداد لتأدية فريضة الصوم. فتأخير السنة من أجل تأدية الفريضة من السنة أيضاً."

وكان يؤدي العبادات وفقاً لتقويم خاص يوضح مواقيت الصلاة، وكان يؤدي صلاة المغرب أولاً قبل الإفطار.

كما كان يقول "من المستحب كسر الصوم أولاً قبل تأدية صلاة المغرب إلا أنه يجب ترك المستحب إذا كان فيه إنقاذ للفرض. فالأولى تأدية صلاة المغرب وبعد ذلك تناول طعام الإفطار. وهكذا يكون الإفطار قد تم أيضاً قبل أن تظهر النجوم في السماء. ويكون قد تم تجاوز شبهة التسرع في الإفطار قبل الميعاد المحدد وفساد الصوم. لأن حدوث خطأ في التقويم أو الساعة أو مدفع الإفطار أو رفع الأذان مبكراً لا ينقذ الصوم."

ويقول الشيخ أيضاً "من الأولى صيام يومين بعد انتهاء رمضان على سبيل القضاء، وذلك لأن بداية شهر رمضان ونهايته حالياً لا تثبتان وفق الشرع أي في حضور القاضي." وقد أفتى ذات مرة رداً على مسألة عرضت عليه قائلاً "إذا كان عمال البناء أو المزارعون يتعرضون للخسارة جراء الصيام أي لا يقدرون على حصاد المحصول بسبب صومهم مما يجعل المحصول عرضة للتلف، أو لا يقوون على العمل في البناء وهم صائمون وهناك خطر اقتراب حلول فصل الشتاء ففي هذه الحالة يجوز الإفطار ومباشرة تلك الأعمال ثم قضاء أيام الصيام بعد ذلك. كما أنه يجوز الإفطار في حال كان العطش يشكل تهديداً على الصائم ثم القضاء بعد ذلك. فالدين يسر."

نقطة تحول

كان شهر رمضان بالنسبة إلى عبد الحكيم الأرواسي شهراً تجرى فيه أحداث أليمة أحياناً وجميلة أحياناً ولكنها جميعاً مهمة في حياته. ففي شبابه وفي إحدى ليالي شهر رمضان رأى الرسول صلى الله عليه وسلم في منامه ودعاه للرد على إحدى المسائل الدينية الشائكة. وفُسرت هذه الرؤية بأن عبد الحكيم الأرواسي سيمضي قدماً في طريق الكمال ظاهرياً وباطنياً.

بعد احتلال "وان" عام 1915 هاجر منها وصام أول رمضان له بعد هجرته في مدينة روانديز (شمال العراق) في درجة حرارة تجاوزت الأربعين. وبعد أن سافر من هناك إلى الموصل فقد ابنته الشابة المتزوجة حديثاً "شفيعة هانم" بسبب وباء الكوليرا في أحد أيام رمضان وكانت لا تزال في سن العشرين. كما نُفي ظلماً في شهر رمضان أيضاً إلى إزمير في الفترة من 1931 إلى 1943.

القلب لا يهنأ

وكان يذهب لزيارة أحد مريديه شيخ الدباغين "حافظ حسين أفندي" ثلاث مرات في الأسبوع هي الاثنين والأربعاء والجمعة على مدار شهر رمضان، وكانا يستمعان إلى أنشودة "القلب لا يهنأ" التي يحبها كثيراً.

وكان دائماً ما يقول لا تخرجوا من بيوتكم في رمضان ما لم تضطركم الضرورة إلى ذلك. وأدوا عباداتكم وأذكاركم في بيوتكم. فكم من ذنب يرتكبه المرء بينما يرغب أن يؤدي عبادة ما.

في أيام الصيف كان يقيم مأدبة الإفطار في الحديقة ولا يفطر حتى يجلس الجميع، وكان يدعو الضيوف لمنزله كل يوم تقريباً كما كان يلبي دعوات أصحابه لطعام الإفطار. وكان يؤدي صلاة التراويح في مسجد التكية في جماعة تتألف غالباً من أصحابه ومحبيه. وقبل الصلاة وبعدها كانوا دائماً ما يشربون الشاي في التكية.

من خطاب عبد الحكيم أفندي لأحد طلابه:

إن أجر أي عبادة في شهر رمضان يعادل 70 ضعفاً أجرها في غير رمضان. وبسبب هذا الفضل الكبير دائماً ما كان كبراؤنا يزيدون من سعيهم وهمتهم على الطاعة في هذا الشهر كما كانوا يعدون أنفسهم ويتهيؤون لاستقبال الشهر الفضيل قبل حلوله بأحد عشر يوماً: "لا تخرجوا إلى الأسواق ما لم تضطركم الضرورة إلى ذلك. ولو وجب ذلك فليكن في ساعة ما بين الظهر والعصر بشرط عدم الانشغال كثيراً. وحاولوا إنجاز أعمالكم قبل شهر رمضان حتى لا تضطروا إلى الخروج إلى الشوارع في رمضان. ولا تهملوا أداء صلاة التراويح في جماعة. واقرؤوا جزءاً من القرآن كل يوم."

"الخرقة الشريفة"

كان مفتي إسطنبول "فهمي أفندي" يُجل زميله في الدراسة بمدرسة السليمانية الشيخ سيد عبد الحكيم الأرواسي. وكان يُرسل إليه موظفاً في شهر شعبان ليسأله عن المساجد التي يود أن يلقي فيها الدرس في شهر رمضان. وكان الشيخ عبد الحكيم دائماً ما يطلب إلقاء الدروس بجامع بايزيد ثلاثة أيام في الأسبوع ويوما في مسجد بكر كوي، ويوما في مسجد قاضي كوي ويوما في جامع أوسكودار. ولم يكن يتخلف عن إلقاء الدروس في شهر رمضان مهما كانت الظروف.

يقول الشيخ عبد الحكيم أفندي " ذات يوم كنت عائداً بعد إلقاء الدرس بجامع سنان باشا في بشيكطاش وأمام باب المسجد نزل رجل من سيارة القصر وقال بطريقة مهذبة " السلطان يقرئك السلام ويدعوك إلى الطعام." فركبنا السيارة وذهبنا إلى القصر. وكان أشهر الأئمة والوعاظ قد دعوا أيضاً إلى القصر. وبعد الطعام حضر كبير مصاحبي السلطان وقال السلطان يقرئكم السلام ويطلب منكم الدعاء أن ينصر الله جنودنا في حربنا مع الأعداء. كما يطلب منكم حث الشعب على دعم المجاهدين بالمال والدعاء وحث كل من يقدر على حمل السلاح على الانضمام إليهم. وبناء على أمر السلطان ساعدت كثيراً في الأمر وأعطاني السلطان مكافأة ذهبية في منديل مزركش.

كان السلاطين العثمانيون يحرصون على زيارة بردة النبي صلى الله عليه وسلم (الخرقة الشريفة) في ليلة القدر. وكانت الخرقة الشريفة محفوظة في قسم الخزينة بقصر طوب قابي. وذات مرة طلب السلطان محمد وحيد الدين أن يرافقه الشيخ سيد عبد الحكيم أثناء زيارته الخرقة الشريفة بقصر طوب قابي.

وكان عبد الحكيم أفندي أيضاً يزور الخرقة الشريفة في شهر رمضان.

 

 

ذكريات رمضانية من التكية الكاشغرية في إسطنبول