وأخيراً حل الربيع.. عيد خضرالز

تقول الأسطورة إن النبي الخضر (حارس الكائنات التي تعيش في البحر) والنبي إلياس (حارس من يعيشون على البر) التقيا في ذلك اليوم، وقاما بشواء بعض الفطر وأكلاه. وتغير تعبير "الخضر وإلياس" في لغة العامة بمرور الزمن إلى "خضرالز".
5 Mayıs 2017 Cuma
5.05.2017

 

تقول الأسطورة إن النبي الخضر (حارس الكائنات التي تعيش في البحر) والنبي إلياس (حارس من يعيشون على البر) التقيا في ذلك اليوم، وقاما بشواء بعض الفطر وأكلاه. وتغير تعبير "الخضر وإلياس" في لغة العامة بمرور الزمن إلى "خضرالز".

قديماً كان يوم خضرالز (خضرإلياس) أكثر الأيام بهجة وحيوية. وكان يحتل مكانة كبيرة في ذاكرة الأطفال في ذلك الوقت.

كان لدى الشعب في عهد الدولة العثمانية تقويماً لرصد الظواهر المناخية تشكل بتراكم الخبرات والتجارب على مر العصور. وكان ذلك التقويم يوضح كيف ستكون حالة الطقس في أي يوم مع احتمال خطأ ضئيل. يعتمد هذا التقويم في الأساس على التقويم اليولياني (الرومي) ويقسم فيه العام إلى جزئين: النصف الأول (الشتاء) ويبدأ في 7 نوفمبر/تشرين الثاني ويتكون من 179 يوما ويسمى "قاسم"، أما النصف الاخر (الصيف) فيتكون من 186 يوماً ويسمى "خضر". ويطلق على اليوم الذي ينتهي فيه النصف الأول من العام وتبدأ فيه أيام النصف الثاني اسم "خضرالز".

يصادف يوم "خضرالز" الخامس من مايو/أيار وهو يوم عبور الشمس من مجموعة الثريا النجمية ببرج الثور. وهو اليوم الذي ينتهي فيه البرد ويحل الربيع وتزدهر فيه الأشجار وتخضر المراعي وتتفتح الأزهار في مناطق كثيرة من الروميلي إلى الأناضول، ومن شبه جزيرة القرم إلى آذربيجان وتركستان. ويُحتفل به هذه الأيام في السادس من مايو بسب الخطأ الذي حدث عند تحويل التقويم اليولياني إلى الغريغوري.

* الفطر المشوي:

تقول الأسطورة إن النبي الخضر (حارس الكائنات التي تعيش في البحر) والنبي إلياس (حارس من يعيشون على البر) التقيا في ذلك اليوم، وقاما بشواء بعض الفطر وأكلاه. وتغير تعبير "الخضر وإلياس" في لغة العامة بمرور الزمن إلى "خضرالز". ويصور الشعب شخصية سيدنا الخضر برجل أبيض اللحية يرتدي نعلاً قرمزي اللون وجُبة مزينة بالزهور. تكسو الخضرة والزهور كل مكان تطأه قدماه؛ ولذلك سُمي الخضر.

أما إلياس فيصورونه رجلا طويل القامة مشرق الوجه يرتدي لباساً مصنوع من جلد الماعز. يلامس بعصاه الأنهار والحيوانات لتعم فيها البركة. ويعتقدون أن الخضر وإلياس يسارعان لنجدة كل من يقع في ضيق ما، كما يرون يوم "خضرالز" بصيص أمل جديد بعد شتاء قاس ممل.

طبقاً للعقيدة الإسلامية، فإن حضرة سيدنا الخضر وسيدنا إلياس قد ماتا. ويعتقد البعض أن روحيهما تتجسدان وتساعدان الناس. لا توجد علاقة بين يوم "خضرالز" والدين الإسلامي كما لا يعد يوماً دينياً في الديانة المسيحية ولا اليهودية. إلا أنه يوافق يوما مقدسا يحتفل فيه الروم بالقديس آيا يورغي (سانت جيورغيس) لكن طقوسه لا تتشابه مع يوم "خضرالز". وهناك حساسية تجاه عدم الاحتفال بالأعياد الدينية الخاصة بالأديان الأخرى. وكان شيخ الإسلام أبو السعود أفندي يقول إن "خضرالز" ليس يوماً دينياً لكن يمكن الترفيه فيه بما لا يخالف الشرع.

* أول حمل في السنة:

قديماً كان يوم خضرالز أكثر الأيام بهجة وحيوية. كما يحتل مكانة كبيرة في ذاكرة الأطفال في ذلك الوقت. وكان الناس يخرجون في ذلك اليوم الذي تنتهي فيه أيام الشتاء القاسية المملة إلى المراعي والمروج مصطحبين معهم الطعام والشراب. ومن بين الأطعمة المحببة التي كانوا يحرصون على تناولها في ذلك اليوم: الأرز بلحم الضأن والملفوف وشطائر الجبن وحلوى السميد. وكان لحم الخراف يؤكل أول مرة في العام بإسطنبول في ذلك اليوم، إذ إنه لم تكن تذبح الحملان قبل ذلك اليوم.

كان الناس يأكلون ويشربون ويمرحون ويلعبون في المراعي في ذلك اليوم الذي يعتقدون أنهم سيتخلصون فيه من هموم وأحزان الشتاء. وكان السلطان يقيم ولائم لحم الضأن للطلاب الذين يدرسون بالكتّاب، كما يُقدم الأرز باللحم والحلوى إلى الجنود في ثكناتهم. وكان الجنود لا يخرجون للتدريب في ذلك اليوم، كما كان الباعة والحرفيون بمختلف أنواعهم يتركون العمل في ذلك اليوم ويخرجون للتنزه.

كان أهل إسطنبول يحتفلون بيوم "خضرالز" في أماكن التنزه الواسعة في مناطق كاغد خانه وكوك صو وقوش ديلي وفكر تبه سي. وكان الأثرياء يرسلون الدعوات للمعارف والأقرباء قبل أسبوع من حلول يوم خضرالز.

كان الناس يأتون إلى منطقة "كاغد خانه" (بالقرب من أيوب) بإسطنبول بالقوارب عن طريق البحر وبراً بالخيول أو العربات التي تجرها الثيران. وكان الوجهاء يحضرون بعرباتهم التي تجرها الخيول ويشاهدون المنطقة قليلا ثم يغادرون. وكان المجئ إلى المنتزه بالقوارب أكثر بهجة ومرحاً. وكانت القوارب تربط ببعضها بعضا بواسطة الحبال ويتم ترديد الأغاني والأناشيد طوال الطريق.

كانت المقاهي تفتح أبوابها في كاغد خانه أول مرة في العام في ذلك اليوم، وكان معظم الناس يفترشون الأرض وعدد قليل منهم يجلس على الكراسي داخل المقاهي. شواطئ الأنهار والجداول المائية وتحت الأشجار كانت تكتظ بالناس. وكان الرجال والنساء دائماً يجلسون في أماكن منفصلة. فقط الأطفال يمكنهم الجلوس مع السيدات المسنات. وكان يُحظر على الباعة الجوالين الاقتراب من أماكن جلوس النساء، وكان أفراد الشرطة يراقبون ذلك. ولهذا السبب كان البيع والشراء يتم بواسطة الأطفال الصغار.

كانت الميادين تمتلئ بالباعة الجوالين والمهرجين والمداحين وألعاب الأطفال. وكانت أصوات الأطفال تتعالى وهم يلعبون وتتداخل مع أصوات الباعة وأصوات الطبول. فكان من يرى ذلك المشهد يشعر وكأن الدنيا قد ضاقت على الناس.

كان الناس يتناولون الطعام في منتصف النهار ثم يجلسون يتجاذبون أطراف الحديث. ثم يعودون إلى منازلهم قبل الغروب. وكان أفراد الشرطة ينبهون الجالسين إلى اقتراب موعد الذهاب. وكانت رحلة العودة أيضاً ممتعة ومسلية وكان الأهالي يتجمعون حول الشواطئ لرؤية أسراب القوارب العائدة. وأحياناً كان أفراد الأمن يجرون دوريات مراقبة بين القوارب منعا لحدوث أي مشاكل. كما كان الناس يذهبون إلى جسر أونكباني بمنطقة الفاتح لممارسة لعبة رمي الجلة. وهناك كانت تنتهي مراسم الاحتفال بذلك اليوم.

* شجرة الورد:

يعتقد الناس أن الدعاء في ليلة خضرالز مستجاب وفيه تنتهي الهموم والأحزان ويُشفى المرضى، ويعم الخير وتحل البركة. وكان الناس يربطون الأكياس الصغيرة الحمراء التي يضعون فيها القروش، في أشجار الورد الموجودة بحدائق منازلهم منذ الليل، وفي الصباح يسمون الله ويفتحون تلك الأكياس ويأخذون القروش ليضعوها وسط نقودهم لتعم بها البركة.

وكانت الفتيات الشابات يضعن قطعة من حليهن في الأواني الفخارية المملوءة بالماء تحت أشجار الورد ويغلقنها بقطعة من القماش الرقيق. وفي الصباح توضع طرحة حمراء على رأس أكبر الفتيات سناً في المنزل وتقوم باستخراج قطعة الحلي من الآنية مع ترديد بعض الأغاني الشعبية. وتظهر تلك الأغاني نصيب وحظ صاحبة قطعة الحلي.

أما من يريدون أن يمتلكوا منزلاً فكانوا يصنعون مجسماً للمنزل من علب الكبريت ويدفنونه أسفل شجرة الورد. وفي الصباح يخرجونه ثانية. وهناك الفتاة التي تصنع لعبة على هيئة عروس وتعلقها في غصن شجرة الورد اعتقاداً أنها سترى في منامها الشخص الذي ستتزوج منه.

ومن عادات ذلك اليوم أيضاً تنظيف كل الأماكن وارتداء الملابس الجديدة والاستيقاظ مبكراً وعدم الذهاب إلى العمل. إضافة إلى صنع بعض الشطائر من الأعشاب المفيدة. وكان الناس في بعض المناطق يشعلون النيران ويقفزون من فوقها.